قامت الإعلامية ندين صموئيل شلهوب، في زيارة الى مطرانية قبرص المارونيّة، بحيث إلتقت رئيس أساقفة أبرشية قبرص المارونية سيادة المطران سليم صفير، الذي كان مبتسماً على الرغم من الحزن الشديد في داخله على لبنان وكل ما يحصل من حرب ودمار
سيادة المطران صفير، العقل الحكيم في قلب طفلٍ مؤمنٍ، وأمين على الرعية المارونية في قبرص، المحافظ على كل تفصيل من تفاصيل الوطن، من الكرم والضيافة ومنسوب المحبة العالية، والتواضع الكثير في عيونه وأدائه والكلمات، فجاء هذا الحديث القيم والشيق متناولاً تأريخ الموارنة في قبرص على كافة الأصعدة
الكنيسة المارونية في قبرص
الكنيسة المارونية في قبرص كنيسة قبرصية، أصيلة تمتد جذورها في تاريخ الجزيرة منذ القرن السابع. تشير الوثائق التاريخية المكتشفة حديثاً إلى الدور المحوري الذي لعبه الموارنة في الحياة الروحية والاجتماعية الثقافية في الحزبرة. توافد اللبنانيون، ومن بعض بلدان عربية مجاورة إلى الجزيرة، حاملين معهم تراثهم وثقافتهم، بحثاً عن حياة حرة ومستقلة، وخاصة حرية العبادة. عاش هؤلاء الموارنة في مناطق جبلية تُعرف بـ”بخماسية الجبال”، والتي كانت تضم اكثر من ثمانين رعية في أوجها خلال القرن الرابع والخامس عشر. ورغم اختلاف المصادر حول العدد الدقيق للرعايا، يتفق المؤرخون على أن الجزيرة كانت تحتضن أكثر من مائة ألف ماروني في تلك الحقبة. ومع السيطرة العثمانية، ومن جراء سياسات متعددة النزاعات، واجه الموارنة تحديات جمة، من ضمنها الاضطهاد الذي قلّص عددهم بشكل ملحوظ.
تعاون الموارنة وانفتاحهم الثقافي
تميز الموارنة دائماً بروح التعاون والانفتاح على الآخر. فقد أقاموا علاقات طيبة مع الكنائس الأرثوذكسية واللاتينية، والمسلمين القبارصة، وغيرهم منن الشعوب المتواجدة في الجزيرة شرعا، ما يعكس انسجامهم مع مختلف مكونات المجتمع القبرصي. كانت مشاركتهم اليومية في القداس الإلهي عاملاً رئيسياً في الحفاظ على هويتهم وإيمانهم. تضم القرى الأربع الأساسية للموارنة في الجزيرة: آيا مارينا، أسوماتوس، كارباشا، وكورماكيدس. ورغم تحول آيا مارينا وأسوماتوس إلى مناطق عسكرية خاضعة للسيطرة التركية، إلا أن الموارنة يتمتعون بحق زيارة آيا مارينا بعض المرات سنوياً لإقامة القداسات، فيما تُفتح أبواب أسوماتوس أيام الآحاد والأعياد باستمرار. أما في كارباشا وكورماكيدس، فتستمر الحياة بشكل طبيعي، حيث تُقام القداسات اليومية التي تعزز الروابط المجتمعية، والاختفالات الليتورحية وفقا للسنة الطقسية.
أصول الموارنة في قبرص
ينحدر موارنة قبرص من قرى لبنانية، وبلدان غربية عريقة، مثل كور، قنوبين، الديمان، والمتن، ويحافظون على روابط قوية مع جذورهم. العائلات المارونية القبرصية مثل عائلة كسّاب، كلّاب، موسى، وحجة حنة تتميز بترابطها. في قرية كورماكيدس، ما زالت اللهجة اللبنانية تُستخدم حتى اليوم، مما دفع الاتحاد الأوروبي للاعتراف بها كلغة رسمية تحت مسمى “اللغة العربية القبرصية”، وهو إنجاز يعكس غنى هذا التراث.
ما بعد السيطرة التركية
بعد الاجتياح التركي لشمال قبرص في عام الف وتسعماية واربع وسبعين، تشتت الموارنة جغرافياً، إلا أن إيمانهم العميق وهويتهم الثقافية بقيا ثابتين. تضم الكنيسة المارونية اليوم ثلاث عشرة رعية، وثلاثة رعايا تحت قيد الانساء، يخدمها كهنة غيورين، مع تركيز خاص على القرى الأربع، إلى جانب دير النبي إيليا، الذي تابع للرهبنة اللبنانية. ولا تزال قوات الأمم المتحدة تفصل بين الشطر الشمالي المحتل والشطر الجنوبي التابع لجمهورية قبرص الديمقراطية.
ارتباط الموارنة بلبنان
تربط موارنة قبرص بلبنان علاقة روحية وثقافية عميقة. فهم يعشقون قديسي لبنان مثل القديس شربل، القديسة رفقا، والقديس الحرديني، ويحتفلون بأعيادهم بفرح كبير. مؤخراً، كان تقديس الإخوة المسابكيين حدثاً لافتاً، حيث تم إعلانهم شفعاء العائلة، مما زاد من التقدير للتراث الماروني المشترك.
الهجرة اللبنانية إلى قبرص
مع تصاعد الحروب في لبنان، شكّلت قبرص وجهة آمنة للعديد من اللبنانيين، الذين استقروا فيها وأسهموا في تجديد النشاط الرعوي والثقافي في الجزيرة. أضاف القادمون الجدد نفحة من الحيوية إلى الكنيسة المارونية، حيث شاركوا بفاعلية في الأنشطة الروحية والاجتماعية، ما ساعد على تنمية الرعايا الموجودة.
الكنائس المارونية في قبرص
تزخر الجزيرة باكثر من عشرين كنيسة مارونية قديمة، مثل كنيسة القديسة آنا في فماغوستا، والقديس انطونبوس الكبير في كسرايا وغيرها من كنائس كانت محطة وراعايا معروفة للموارنة. تُعد العبادة للقديسة مارينا من أبرز العبادات الشعبية التي تجذب المؤمنين من جميع أنحاء الجزيرة.
التعداد السكاني للموارنة
اليوم، يقدر عدد موارنة قبرص بحوالي عشرة آلاف نسمة، فيما يصل العدد إلى خمسين ألفاً إذا أُضيف المغتربون. ومع تزايد الهجرة اللبنانية، شهدت الجزيرة نهضة ثقافية واجتماعية وروحية، وانسانية ملحوظة. كما أنشأت الدولة مدرسة مار مارون في أنثوبوليس، بينما قام الاتحاد الأوروبي بتمويل مركز ثقافي في كورماكيدس للحفاظ على اللغة القبرصية العربية وتعزيز الحوار بين الثقافات.
أهمية القداس في حياة الموارنة
يُعتبر القداس الإلهي حجر الزاوية في حياة الموارنة، حيث يجمع العائلات من مختلف أنحاء الجزيرة والعالم. تتنوع اللغات المستخدمة في القداسات، مثل اليونانية، العربية، الإنجليزية، الفرنسية، وغيرها من اللغات الرسمية، مما يعكس التنوع الثقافي واللغوي الذي يميز كل رعية على حدة.
دور السفارة اللبنانية
تلعب السفارة اللبنانية في قبرص، بقيادة السفير السيدة كلود حجل، عميد السفراء، في دولة جمهورية قبرس الديمقراطية، دوراً محورياً في تعزيز التواصل بين اللبنانين والقبارصة والدولة القبرصية. تسترك السفارة في الأنشطة الدينية والثقافية، مما يعزز الروابط بين الموارنة ولبنان.
الحرية واحترام الحدود
يرى الموارنة أن الحرية هي الأساس الذي يُبنى عليه العيش المشترك، سواء في لبنان أو قبرص. نجاح الدولتين يكمن في احترام حدودهما وسيادتهما، مع التركيز على الحريات الدينية والثقافية. لبنان، بتنوعه وإرثه الحضاري، يمتلك مقومات بناء دولة إنموذجية شريطة الالتزام بالقوانين والمبادئ الوطنية، ليكون مثالاً يُحتذى به في المنطقة