قبل أيام، شهدت انتخابات رابطة العاملين في الجامعة اللبنانية فوز مرشّح حركة «أمل» بالتزكية. جاء ذلك، في وقت كان يُفترض انتخاب مرشّحٍ مسيحيّ، ليشرّع الباب مجدداً أمام العديد من الشكوك الطائفية – الحزبية التي يُهمس بها داخل أروقة الجامعة. شكوك ليس أقلّها محاولة إلغاء الآخر وفرض الهيمنة بالقوة على غرار ما يحصل على مستوى الوطن، كنف الجامعة الأكبر. وهذا يستدعي السؤال القديم – الجديد: هل تكون وصفة الخروج من نفق أزمات الجامعة منطلَقاً لتطبيق اللامركزية الإدارية؟
هذه بعض التفاصيل. فقد قامت رابطة العاملين في الجامعة اللبنانية بإجراء الانتخابات الخاصة بها يوم الخميس في الثاني من تشرين الثاني الحالي، وذلك بعد مرور تسع سنوات على تولّي حبيب حمادة (من الطائفة الشيعية) رئاستها. ورغم أن المادة 12 من النظام الداخلي للرابطة، كما الأعراف المعتمَدة منذ عشرات السنين، نصّت على أن يتمّ انتخاب رئيس الهيئة كل سنتين مداورة بين الطائفتين المسيحية والإسلامية، إلّا أن ذلك لم يمنع انتخاب رئيس شيعي لها ينتمي إلى حركة «أمل». انتخابات اعتبرها أعضاء الفروع الثانية غير شرعية ما دفعهم إلى تقديم استقالاتهم، وهُم: عايدة كيوان، صباح حبيب، جوزيف السخن، ربيع مخلوف، شربل شاهين، جوزيف حداد وفادي مبارك. في حين رأى فيها البعض الآخر مخالفة للقانون الذي يحتّم على المرشّح أن يكون ضمن ملاك الموظفين أو متعاقداً أجيراً أو متعاقداً بالفاتورة، ما لا ينطبق على الرئيس المنتخَب. من جهّتها، اعتبرت حركة «أمل» أنها اعتمدت القانون المنصوص عنه في وزارة الداخلية والذي لم يتطرّق إلى مسألة المداورة، ممارِسة حقّها الانتخابي الشرعي والقانوني. فبين المادة 12 وقانون الوزارة، ما الذي تخبّئه سطور قصة هذه الانتخابات؟
لا لتغييب الفروع الثانية
البداية مع مصدر مقرّب من أعضاء الفروع الثانية في الجامعة اللبنانية الذي شرح في حديث لـ»نداء الوطن» أن المادة 12 من النظام الأساسي والنظام الداخلي للرابطة تنصّ على أن تتألف الهيئة التنفيذية من 24 عضواً موزّعين مناصَفة بين المسيحيين والمسلمين، وأن تكون رئاستها مداورة بين الطائفتين، على أن تكون ولاية الهيئة التنفيذية سنتين. «مع نهاية ولاية الرئيس حبيب حمادة، الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية وبقي في الرئاسة لمدة تسع سنوات دون الدعوة لأي انتخابات، جاء هذه المرة دور الرئيس المسيحي. وهذا ما رفضه المكتب التربوي لحركة «أمل» رغم العرف السائد منذ أكثر من ثلاثين سنة في محاولة واضحة لإلغاء الآخر. أما الحجة فهي أن قانون وزارة الداخلية لا ينصّ على ذلك»، كما يقول المصدر.
بناء على ذلك، قاطَع أعضاء الفروع الثانية الانتخابات، ما أدّى إلى فوز مرشّح الحركة، أيمن ماجد، بالتزكية، تلته استقالة سبعة أعضاء مسيحيين، يمثّلون جميعاً الفروع الثانية. فإلامَ ستؤدّي هذه الاستقالات خصوصاً وأن الفروع الثانية باتت غير ممثّلة حالياً داخل الرابطة؟ سؤال طرحناه على المصدر فأجاب: «لا يشرّفنا أي تمثيل في جوّ إلغائي كهذا. الرابطة لا تنجح إلّا بكافة مكوّناتها الطائفية غير أنها، للأسف، أصبحت من لون واحد. الوضع يتعلّق أساساً بمصلحة الجامعة وليس بلعبة الطوائف أو الأحزاب التي أبعدناها كلّياً عن الانتخابات. لن نقبل بأن نكون مغيّبين وأي قرار تتّخذه الرابطة لا يعنينا، فنحن نعتبر أنفسنا منشقّين عنها. اليوم بدأوا بالرابطة وغداً ينتقلون إلى صندوق التعاضد وهكذا دواليك حتى إلغاء الفروع الثانية برمّتها».
نعم للّامركزية البنّاءة
بدوره، رأى عضو لجنة التربية النيابية، النائب الدكتور أنطوان حبشي، في اتصال مع «نداء الوطن» أن هناك مجموعة أمور تحصل في الجامعة وجميعها تدلّ على أن الأوضاع ليست بخير. بدءاً بملف مستحقات الـPCR الذي لم يصل إلى نتيجة حتى الساعة، مروراً بحظر أغاني السيّدة فيروز في مجمّع الحدث، وصولاً إلى الطريقة التي يتمّ التعاطي فيها داخل معاهد الدكتوراه. «ها هي انتخابات رابطة العاملين تؤكّد مجدداً محاولة فريق معيّن الاستئثار بالجامعة. والمحزن هو ما نشهده من تراجُع ملموس في المستوى التعليمي على يد هذا الفريق رغم التصنيفات التي يتحدثون عنها. وكأن الجامعة تأخذ منحىً ثقافياً يشبه تغيُّر كينونة لبنان الثقافية». حبشي شدّد أن لا بدّ من مقاربة الملف التربوي بكامله ذلك أن المشكلة بنيوية وليست طارئة. فما يحصل في الفروع الثانية ليس جديداً عليها، إذ إن تخطّي النظام والاستئثار بالقرارات
وعدم قبول الآخر صرخة قديمة عمرها عشرات السنوات.
(كارين عبد النور- نداء الوطن)