قلق غربي متصاعد من نتنياهو

قلق غربي متصاعد من نتنياهو
ولا مفرّ من مفاوضات

رضوان عقيل-“النهار”

تنشغل الدوائر الديبلوماسية والغربية بمتابعة فصول مضاعفات عملية “حماس” في مستوطنات غزة وما خلّفته من مناخات على دول المنطقة وأكثر من عاصمة معنيّة، بدءاً من واشنطن التي تشكّل المفتاح في نسج أيّ مفاوضات أو التوصل إلى اتفاقات تمنع تمدّد ألسنة النار الإسرائيلية في قطاع غزة وجنوب لبنان. وهذا ما يشتغل عليه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن والمستشار في البيت الأبيض آموس هوكشتاين الذي حضر إلى بيروت بهدف التوصّل إلى مخرج يساعد على عدم الدخول في حرب شاملة. ويعكس الموفودون أجواءً تشاؤمية إذا استمر الوضع على هذا المنوال من التدحرج مع لجوء إسرائيل إلى تنفيذ سلسلة من الاغتيالات ووصولها إلى الضاحية الجنوبية.
ويحلّ اسم بنيامين نتنياهو من دون منازع في كل جلسة أو اجتماع سياسي في معرض تقييم حربه في غزة. وثمة أكثر من دولة غربية وإن كانت تؤيّد إسرائيل وتعترض على عملية “طوفان الأقصى” لا يخفي سفراء في حلقاتهم الضيّقة خشيتهم من سياسات الرجل. هذا ما يجمعون عليه وخلصوا إليه أخيراً في حفل نظّمته سفارة أوروبية في بيروت، ولم يتوانوا عن توصيف نتنياهو بـ”كاميكاز مريض”. ويقول سفير دولة تهتم بالتفاصيل اللبنانية: “نحن أصبحنا نخاف على شعب نتنياهو ودولته من جرّاء السياسات التي ينتهجها، حيث لم يعد يتوقف عند أي حسابات أو ضوابط رادعة، ويستمر في سفك دماء الفلسطينيين والتضحية بجيشه ولم يعد يهمّه سوى حماية نفسه. ويبقى هاجسه الأول وشغله الشاغل البقاء في صدارة السلطة في تل أبيب، علماً بأن بلده يموت من جرّاء سياساته”.
ويُنقل عن ديبلوماسي أوروبي آخر غير مؤيّد بالطبع لكل ما يقوم به محور المقاومة من البحر الأحمر بواسطة الحوثيين إلى غزة ولا سياسة “حزب الله” في الجنوب، أن “لا مشكلة عندنا حيال اللبنانيين والفلسطينيين. ولا يغيب موضوع العدوان على غزة ومستقبل “حماس” وما يمكن أن يفعله “حزب الله” حيال التحديات التي تواجهه في جبهة جنوب لبنان المهددة بالاتساع إذا أقدم الجيش الإسرائيلي على توجيه ضربات أكبر تستهدف “حزب الله” ومناطق مدنيّة، مع ملاحظة أن الأخير ينفّذ عمليات عسكرية مدروسة تستهدف نقاطاً ومواقع عسكرية حسّاسة في أكثر من منطقة في شمال إسرائيل نزح عشرات الألوف من مستوطناتها، تلك المعضلة التي تقلق تل أبيب في وقت لم تعد فيه صورة نتنياهو في أذهان الغربيين على حالها.
وتبقى “حماس” محل متابعة عند إسرائيل وأكثر من دولة بطبيعة الحال، خصوصاً بعد 7 أكتوبر الفائت وما خلفته في غزة من ارتدادات على تل أبيب والمنطقة وعلى مستوى تنظيم “الإخوان المسلمين”. وتبقى كل هذه التطورات تحت مجهر متابعة أجهزة الاستخبارات العربية والغربية.
ويقول مسؤول أمني كبير احتل منصباً رفيعاً في دولة غربية وأحيل على التقاعد إنه يتوقف أمام تجربتي “حماس” و”حزب الله” ليس من باب الإعجاب أو إيمانه بمنهج الجهتين بل من باب التوقف عند ثبات خطهما وقدرتهما على الحفاظ على قواعدهما رغم كل التحديات ليصل إلى خلاصة أن إسرائيل في النهاية غير قادرة على ترويضهما وهي مجبرة على الدخول معهما بمفاوضات غير مباشرة. وإذا استمرت حرب غزة ثلاثة أشهر أخرى فلن تستطيع قوة في العالم القضاء عليهما رغم كل دعم أميركا الذي توفره لحكومة نتنياهو. ويقول المسؤول الأمني السابق إنه رغم كل قدرات أميركا جلست في النهاية مع الفيتناميين من جراء صمودهم لأنهم كانوا أصحاب قضية. ويتوقف المسؤول الغربي عند مسألة إعلان وزير الخارجية الاميركي أنطوني بلينكن أنه يهودي في قلب تل أبيب وتناسى أنه رئيس ديبلوماسبة الدولة الأولى في العالم وأن ديانته مسألة شخصية وتخصّه حيث قدّم مشهداً لم يمارسه أي من أسلافه ولو أنهم لم يتخلوا عن دعمهم إسرائيل “لكن بلينكن تجاوز كل القواعد والأعراف الديبلوماسية”.
وتبقى الحرب الأمنية بين إسرائيل ومحور الممانعة محلّ متابعة عند أكثر من جهاز مخابراتي في المنطقة والتدقيق في مفاعيل اغتيال القيادي في “حماس” صالح العاروري على جسم حركته على حليفه “حزب الله” من جراء هذا هذا الفعل الإسرائيلي من فريقين يخوضان معارك عسكرية أكثر من صعبة في غزة وجنوب لبنان. وإن كان الطرفان يمتلكان خبرات طويلة مع تل أبيب فإن جيش الأخيرة يمارس أسلوب اغتيالات قديماً – جديداً، تلك المدرسة التي يتبعها منذ عقود ضد مناوئيه. ولم تتوضّح إلى الآن تفاصيل الخرق الذي مكّن الإسرائيلي من تصفية العاروري في عرين الحزب حيث تجري تحقيقات لمعرفة النقاط التي ساعدت الاستخبارات الإسرائيلية في تنفيذ هذه العملية. ولم يكن العاروري يستعمل الهاتف الخلوي في مكالماته ولا حتى الخط الثابت إلا عند الضرورة القصوى، وهو تلقى نصائح أمنية من الحزب في الأسابيع الأخيرة لكن فريق حراسته لم يعطها الاهتمام المطلوب. وفي لحظة استهدافه في الشقة التي سقط فيها كانت ثمّة هواتف خلوية شغّالة مع التوقف عند “عيون بشرية” راقبت لحظة دخول المستهدفين الشقة التي يتردّدون عليها ويعقدون اجتماعاتهم فيها الأمر الذي مكّن المنفذين من نجاح عمليتهم التي حملت رسائل بالجملة للحركة والحزب في آن واحد.
ولذلك لا أحد يقلل من الموقع الذي كان يحتله العاروري. ويكفي التدقيق في توليه ملفين حساسين: إشرافه على “حماس” في الضفة الغربية زائد تسلمه مهمة الاتصال مع القيادة الإيرانية و”حزب الله”.
ويقول متابعون هنا على صلة بـ”حماس” إنها قادرة على تكليف كادرين بمتابعة هذين الملفين مع التذكير بأن قياديين كباراً خسرتهم الحركة وتمكنت من متابعة مشروعها في الشارع الفلسطيني حيث تحظى بالحضور الأكبر في صفوفه، الأمر الذي سيجبر الإسرائيلي والغرب على عدم استبعاد “حماس” عن أي طاولة مفاوضات ترسم مستقبل غزة والفلسطينيين في الداخل الذين لن يتراجعوا أمام الإسرائيلي رغم كل ما قدّموه منذ عملية 7 أكتوبر إلى اليوم.

عن grenadine