تكريم يليق بمن حملوا راية الإبداع
في ليلٍ لبنانيٍّ مشبعٍ بالعطر والحنين، أشرقت صالة السفراء في كازينو لبنان، النسخة الثامنة من سهرة الزمن الجميل، ومضة من نور طال انتظاره وسط عتمة دامسة عشنا فيها لسنوات.
مهرجان تحدّى المستحيل، وانتصر على الركام، وانبعث كالعنقاء من رماد الأزمات، ليقول للبنان والعالم: ما زال هنا من يزرع الجمال على الرغم من الشوك، وما زال في هذا الوطن نبض يرفض الاستسلام، -وطن- يأبى الموت.
على الرغم من المآسي التي تعصف بالداخل، والزوابع المترامية بين القارات، أقيم المهرجان كحلمٍ عنيدٍ ويؤكد انه ليس مناسبة عابرة، بل وقفة عزّ، وموقف وفاء، ومرآة تُظهر وجوه من أضاءوا ليالينا فناً وإبداعاً وتأريخ جميل يعيش في وجداننا لغاية اللحظة، وفي زمن كثرت فيه الأصوات العابثة، جاءت هذه السهرة لتعيد إلينا صوت الرقيّ، وتقول لكل من نسي: لا يزال لبنان منارة، حتى وإن حاولت ان تغطّيه الغيوم.
الدكتور هراتش ساغبازاريان مؤسس “الزمن الجميل” وعرّاب الحفل وساهر على نجاخه، لم يدّخر جهداً ولا مالاً، بل وضع قلبه على راحة كفّه، ليقدّم عرضاً يليق بأسماءٍ صنعت الذاكرة الفنية، وحافظت على نبض لبنان في وجدان العرب. تكاليف مادية، ومعنوية، وجهاد صامت خلف الكواليس، كلّه في سبيل سهرة تليق بمن رفعوا اسم لبنان عاليًا، تكرّم شخصيات أحّبت لبنان وطبعت مسيرة غنيّّة لسنوات وسنوات من العطاءات في سبيل الفن والحب فبقيّت بصمات موشومة على تأريخ لا يتبدّل مهما مرّت فصول السنوات المتتالية
كلّ من واكب سهرة “الزمن الجميل”، فقد تنفّس لحظات من المجد، شعر أن بيروت استردّت روحها، ولو لساعات. ومن خلال أعين الحاضرين، ومن تصفيقهم الصادق، فهمنا أن الجمال حين يُقدَّم بإخلاص، لا يحتاج إلى مبررات.
إن اعتراف كبار مشاهير العرب بهذا الحدث ليس مجاملة، بل شهادة حيّة أن لبنان، على الرغم من النكبات، لا يزال يقف كشجرة أرز عنيدة، لا تنحني للريح، بل تعانق السماء. يبقى لبنان صوتاً مسموعاً، اسماً “ملعلعاً” في ساحة الفن، حضارة تُروى ولا تُنسى.
في النهاية، هذه السهرة لم تكن مجرد حفل، بل انتفاضة فنّية راقية، ورسالة لمن ظن أن الضوء انطفأ.
لا، الضوء اشتعل من جديد، بل زاد بريقه، وما دام في لبنان من يؤمن بهذا الوطن، سيظل صوته يعلو فوق الجراح، ويغني… للحب، للحلم، ولهذا الوطن الجبّار “لبنان”